رواية رائعه بقلم فرح طارق
تدير المحرك ودموعها تغطي وجهها بأكمله عقلها يرفض استيعاب ما حدث للتو ! صوتها غير قادر على الخروج من تشعر وكأن أحدهم يضع يده على يكتم صوتها ويعيق خروجه ! تتشعر وكأن قلبها قد بتر من داخلها للتو تتحرك بلا قلب وبلا عقل ! فقد أخذ قلبها معه ورحل عنها والآن ! قد فقدت عقلها حقا .
طالعها فهد بشفقة على حالها هو يعرف حق المعرفة ما معنى هذا الشعور حقا ! يعرف كيف يتملك شخصا من قلبك وعقلك وفي لحظة قبل أن تخبره بأنك تحبه تجده غارق الډماء بين يديك ! ذلك ما مر معه مع حور وحتى الآن لم يخبرها ب حبه !
تذكر حديثه مع ياسين ذات مرة حينما أخبره بأن يتقدم ل خطبة چيدا بدلا من تلك الاعجابات المتبادلة بينهم ! ف ليكن هناك شيئا رسميا..ليصطدم ب إجابة ياسين عليه تلك المرة..
دلف ياسين ل مكتب فهد الذي أخبره بضرورة مقابلته ليجلس أمامه على المكتب بعدما ألقى التحية عليه قائلا بتساؤل
ايه الحاجة المهمة اللي عايزني فيها
اعتدل فهد في جلسته ليجيبه ب جدية
جيدا يا ياسين والنظرات اللي بينكم طول الوقت ! انت عارف إني بعتبر جيدا زي أختي بالظبط وشايف إعجاب متبادل بينكم ف ليه متتقدمش ليها وتاخد خطوة رسمية
مينفعش يا فهد أنا مطلق ! ومعايا بنت دلوقت عندها ٤ سنين چيدا من حقها ف راجل تكون هي أول بنت ف حياته أو على الأقل تبقى اول جوازة ليه مش التانية بعد جوازة فشلت على يدك ايه حصل فيها
خۏفك على جيدا وحقها ولا خۏفك من إنك تمر بنفس التجربة الفاشلة
لأ يا فهد مش كل الستات زي بعضها وأنا عارف كدة كويس ولو كلهم زي بعض ف عارف ومتأكد إن چيدا غير أي حد تاني وعشان كدة أنا مستاهلش إنها تكون معايا وف حياتي ولو على نظرات الإعجاب اللي انت شايفها ف أظن أنك شايف إنه حب من طرف واحد..من عندها هي.
وعندك انت كمان شايفها متبادلة وقوللتك كدة وبعدين بتقرر موقفها على أي أساس كلمتها قالتلك الكلمتين دول بنفسها قالتلك يا ياسين أنا
عاوزة راجل أكون أول جوازة ف حياته
أعرض كل ده قصاد جيدا وخليها تقرر !
نهض ياسين من مكانه واردف بنبرة مخټنقة
فهد أنا مش هتحمل أقولها كل ده وتقولي هي بنفسها مش هينفع تكون معايا الكلام اللي قولته ليك مش هستحمل يطلع منها.
ومين قالك إنه هيطلع ياسين..
قاطعه ياسين بجدية
مع احترامي ليك يا فهد بس الموضوع مش منتهي بالنسبالي هو مش موجود اصلا ف حياتي يا فهد..عن أذنك.
أعاد فهد من أفكاره فور توقف السيارة وهو يجد چيدا تخلع حزام الأمان وهي تفتح باب السيارة وتردد پبكاء
مماتش هو عايش..هو عايش يا رب هو عايش مسابنيش لأ.
ترجلت من السيارة ودلفت للمشفى وفهد ذهب خلفها بخطوات سريعة يلاحق بها ركضها للداخل وتوقف بجانبها وهي تقف أمام الاستقبال بالمشفى قائلة بلهفة
أشار لها الممرض قائلا
دخل العمليات يا فندم حضرتك هتطلعي تاني دور..ع اليمين ف آخر الطرقة غرفة العمليات.
تركته جيدا لتصعد سريعا للأعلى لم تقدر على إنتظار المصعد أن يأتي لها لتصعد الدرج بخطوات سريعة تتسابق بها مع الزمن لتصل إليه..
توقفت أمام غرفة العمليات وهي تدعو ربها أن يسلم لها تدع بعدم إنتهاء تلك العلاقة التي لم تبدأ بعد ! إن لا ينهدم ما تخيلت بناؤه قبل أن تشرع بتنفيذ ذلك البناء ! كيف افتقدك يا عزيزي وأنا لم أستطع أن امتلكك يوما
ذهب فهد نحوها ليضمها داخل صدره ضمھا إليه بكل ما أوتي من قوة داخله يعرف تلك اللحظات..لا يرغب الإنسان بها سوى الشعور بالاطمئنان فقط أن يأخذه أحدهم في عناق يخبره عن طريقه أن كل شيء سيكن على ما يرام يخبره بأنه ليس وحده إنه معه..يشعر به..يحزن لأجله..يعرف كل ما بداخله ليحتويه داخل عناقه.
كم مرت عليه تلك الأوقات ولم يجد بها من يضمه ! لم يشعر بالاطمئنان يوما في حياته سوى منذ أن دلفت حور ل حياته حياته التي انقلبت رأسا على عقب فور رؤيتها ولكن هناك شيئا تولد داخله حينها..ربما حب أم أمان..لربما شعورا بالسعادة لقربها..رغبة داخلية منه بأن تدلف أنثى مثلها داخل حياته.. أم لأنه كان يحتاج إليه قبل أن يراها حتى ! أو لربما جميعهم
يقولون إن فاقد الشيء لا يعطي بل فاقد الشيء يعطيه يعطيه بكل سخاء ! يعطيه ب مقدار فقده للشيء..ف كلما زاد عطائه كلما أيقنت أنه فاقد للشيء وبشدة.
ظلت داخل شقيقها تبكي بكل ما أوتي من قوة داخلها هل سيفارقها سؤالا يتردد داخلها.. ساعة..دقيقة..ثانية.. أو ربما أقل !
مرت الساعات عليهم بعدما جاء سيف وحور معه لتبقى وفاء بجانب ليان في منزل سيف بعدما غادرت المشفى.
ذهبت حور نحو چيدا التي ما إن رأتها حتى اندفعت داخل وهي تبكي دون توقف..
ظلت حور تربت عليها تحاول بث الطمأنينة بداخلها لتسمع صوتها المكتوم داخل
يا حور لو جراله حاجة ! مكناش مع بعض بس كان كويس قدام عيني..كنت بشوفه.. بسمع صوته اللي كان طول الوقت بيبخل إنه يوجهه ليا أنا.. كنت بشوف عينيه بتتحرك ف كل مكان قصادي..وكان بردوا بيبخل يخليني ابصلها واشوفها بتبصلي ! بس كنت شايفاه كان موجود..بيتكلم..بيتحرك..وقت ما بيوحشني بروح ل خالو واشوفه بأي حجة هو كان بيبقى فاهم بس مش بيبين
رفعت حور رأسها اليها وهي تضم وجهها بين يديها..
اهدي يا حبيبتي هيكون كويس..هتسمعي صوته.. تكلميه هيكون قصادك تاني.
حركت رأسها بنفي ودموعها تأبى التوقف
من الصبح ف العمليات لسة مخرجش !
حور مرة أخرى
خير صدقيني خير..ربنا هيرده سالم معافى تاني ثقي ف ربنا وادعيله..استغفري حوقلي قولي كل الأذكار اللي تيجي ف بالك..ادعي ادعيله وبس..هو ده اللي محتاجه منك دلوقت العياط مش هيشفيه ! دعاك وطلبك من ربنا شفائه وانه يحفظه ليك..هو ده اللي هيشفيه.
حركت جيدا رأسها بتفهم لحديثها لتشرع بفعل ما أخبرتها حور به هي تعلم ذلك ولكن بكائها كان يغلبها عن قول شيء !
استدار الجميع لتلك الطفلة التي هرولت نحو فهد مسرعة قائلة پبكاء
اونكل فهد..بابا كويس هو فين أنا سمعت الظابط بيكلم الدادا بيقولها انه پالنار.
فهد وجهها..قائلا بحنو
ياسين كويس متقلقيش وبعدين هو مش وعدك إنه مش هيسيبك ليه خاېفة دلوقت
انهمرت دموع الطفلة على وجنتيها الحمراء لكثرة بالبكاء
ماما بردوا وعدتني مش هتسيبني بس سابتني أنا خاېفة هو كمان يعمل كدة .
ظل فهد يربت على ظهرها بحنو مرددا كلمات حنونة على مسامعها بينما كانت چيدا تتابع المشهد بصمت تام ! هل هو متزوج لديه ابنة من الواضح أنها بالسادسة من عمرها !
لم يخبرها يوما ذلك ولم كان سيخبرها هل كان يراها يوما ليخبرها إنه متزوج ! يالسذاجتها !
ابتعدت چيدا عن حور لتذهب من
أمامهم بعجلة لم يستطع أحد اللحاق بها ذهبت نحو المرحاض بالمشفى.. لتدلف وتغلق الباب خلفها..وضعت يدها على لتكتم شهقاتها !
متزوج لديه إبنه هي فقط من كانت تحبه لم يراها يوما مثلما رأته ! كانت تتوهم بكل شيء
جلست على الأرضية وهي تضم قدميها لصدرها قائلة وسط بكائها
هو مغلطش مقالش بحبك..موعدنيش بحاجة أنا.. أنا اللي ساذجة ! وهمت نفسي ومشيت ورا احساسي بالحب ناحيته قلبي عماني عن إني اشوف مليون حقيقة قدامي.. أنا اللي غلطانة مش هو..هو صح! احنا مننفعش لبعض انا اللي غبية!
مر الوقت عليها وهي تبكي وحدها لتنهض على طرقات حور على باب المرحاض لتفتحه بعدما غسلت وجهها بالماء ومسحت دموعها نظرت لحور بعض الوقت..ثم اردفت
هو مغلطش يا حور أنا اللي كنت موهومة..ربنا يقومه بالسلامة لبنته ومراته..عن إذنك.
تركتها ورحلت لم تردف حور بشيء هي تشعر بها تعلم كم أن الأمر مؤلم ! تتفهم كل شيء بداخلها تركتها ترحل وحدها لتذهب هي ل فهد وتقف معهم بإنتظار خروج سيف من غرفة العمليات..بينما كان عقلها منشغلا ب چيدا فقط .
نظرت حور لتلك الطفلة الجالسة فهد لتجده يضمها بحنان يربت على خصلات شعرها بحنو.. كأنه والدها وليس صديقا لوالدها !
مر وقت آخر لتجد فهد يندفع نحو الطبيب الذي خرج للتو من غرفة العمليات..
ابتسم الطبيب بعملية وطمأنينة
الحمدلله قدرنا ننقذه..انكتب ليه عمر جديد والله.
فهد بسعادة
يعني بقى كويس خلاص
أيوة بكرة بأمر الله هيكون فاق..تقدروا تمشوا دلوقت لأن ممنوع حد يبات معاه عن اذنكم..وحمدلله على سلامته.
رحل الطبيب من أمامهم وحمل فهد الصغيرة واردف وهو يقبل وجنتها
مش قولتلك هيبقى كويس
أجابت بنبرة طفولية آملة لرؤية والدها
كدة هشوفه صح
أيوة بس بكرة عشان هو نايم دلوقت هنروح البيت كلنا ونيجي بكرة نشوفه كلنا.
بعد وقت.. وصلت السيارة لمنزل سيف..فقد كانت ليان و وفاء بالمنزل ف عاد الجميع إليهم.
دلف سيف وترك الجميع مكانه وصعد لغرفته لرؤية ليان والاطمئنان عليها دلف للغرفة بلهفة لرؤيتها..ليجدها تقف أمام الخزانة وتضع ملابسها في الحقيبة !
عقد سيف حاجبيه بضيق قائلا
بتعملي ايه
بلم هدومي عشان بكرة الصبح هنسافر انا وماما وحور.
قالت كلماتها ولم تنظر إليه لم ترد النظر إليه تدري إنها لو طالعته لانسهرت جميع قواها أمام نظرته تلك لها.
هتعملي اللي ف دماغك
استدارت له هاتفة بجدية
لأ يا سيف أنا بعمل المفروض والصح من إنه يتعمل مش الي ف دماغك ودماغي ! ده الصح وبس.
الصح أنك تسبيني وانت حامل
أهو أحسن ما هو كمان !
قالتها بتلقائية شديدة منها نبعت من ذاك الألم المكنون داخلها أثر فقدانها لطفلها لم تدري كم طعنته تلك الجملة داخل صدره دون رحمة أو شفقة ! كانت أثرها ك جلاد يحمل السوط ليلقيه على في لحظة تخوين منه !
بينما صمتت ليان لم تتحدث مرة أخرى..
تشعر بقليل من الندم لقولها تلك الكلمات ولكنها أيضا حزينة ! تشعر بالآلام ورغبة جامحة في البكاء على طفلها الذي رحل ! ولكنها وعدت شقيقتها بأن لا تبكي.. ألا تقف مكانها..لا تستدير..فقط تسير قدما للأمام وتسعى لتوفير حياة هادئة خالية من كل تلك الإضطرابات التي تحدث..لطفلها الآخر .
ليس كل ما يمر بالحياة مهما كان قويا..حزينا..بائسا..علينا وعلى طاقة تحملنا يدفعنا للوقوع أمامه والبكاء عليه ! هناك أشياء نصطدم بها داخل اضطرابات الحياة لتجعلنا نقف نقوى نسير ونتقدم من جديد تخلق بنا روحا جديدة قوية ك عازل زجاجي قوي يحمي جوهرا من الرياح وآثاره ! تلك هي الروح التي تخلق داخلنا تلتف حول القلب تحميه مما هو