رواية أوتار الفؤاد بقلم منال سالم
تحكم في اتزانه تلمس صدره وهو يفركه برفق ليخفف من وطأة الألم الذي أصابه مديرا رأسه للخلف ليرمق العسكري بنظرات محتدة كان منسي مجبرا على كظم غضبه والسيطرة على أعصابه في ذلك المكان تحديدا وإلا تعرض لعقۏبة قاسېة أكمل سيره في الرواق المعتم نسبيا حتى بلغ الأبواب الحديدية هدر به أحدهم بصيغة آمرة
يالا يا مسجون منك ليه
رد عليه منسي وهو يكز على أسنانه في حنق
بالراحة يا دفعة
زجره العسكري محذرا بشراسة
حاسب على كلامك بدل ما أنفخك
أظهر منسي خنوعه على الفور فردد ملوحا بكفه معتذرا
لامؤاخذة يا باشا
ثم أكمل سيره نحو محبسه بتباطئ زفر بتأفف وهو يتبع باقي المسجونين في اتجاه العنبر المخصص لهم وقف عند أعتاب الباب المعدني السميك يجوب بعينيه المكان وكأنه يفحصه كان في نفس الوقت يبحث عن سرير شاغر ليتمدد عليه وقبل أن تقع عيناه على شيء بعينه شعر پألم مفاجئ قاس في كتفه أجبره على الاستدارة للجانب هدر معنفا من تعمد الاصطدام به وإيلامه
رمقه المسجون بنظرة مزدرية محقرة من شأنه ثم هتف يسأله بفظاظة
إيه مش عاجبك
رد عليه بنرفزة طفيفة
أه مش عاجبني ده أنا ضيف عندكم و...
قاطعه المسجون مستهزئا به
ضيف هأو سلامات يا ضيف
استشاطت نظرات منسي على الأخير بينما تابع المسجون هجومه المهين له
ده إنت حتت واد ...... لا تكون مفكر نفسك حاجة لا سمح الله
حدجه منسي بنظرة ڼارية أشد حنقا عن ذي قبل ورد عليه بتشنج
طب ليه الغلط بس
وقف المسجون يتحداه في جرأة شديدة دون وضع أي اعتبار له نظر في عينيه مباشرة وهو يسأله
ده اللي عندي تحب أروق عليك أكتر وأعمل مسخة العنبر أنا جاهز
وعلى إيه ده الطيب أحسن
وضع المسجون يده على كتفه ليضغط عليه بأصابعه الغليظة مال عليه
برأسه ليبدو صوته مهددا وقويا وهو يقول له
خد بالك العنبر ده ليه كبير وأي حد يعادي حد من رجالته ولا يفكر بس يعمل نفسه برم بيتفرم فأحسنلك تلزم حدودك هنا
سأله بتوتر طفيف
ومين الكبير هنا
أجابه بتفاخر
الريس شادوفة
ثم ضربه بقبضته المطوية بقسۏة أشد متابعا أوامره له
أومأ منسي رأسه قائلا باستسلام
تشكر يا ذوق
رمقه المسجون بنظرة احتقارية وهو يتمتم بنبرة تعمد أن تصل إلى مسامعه أثناء تحرك الوافد الجديد للداخل
أشكال بنت .....!
اضطر منسي أن يرضخ من جديد تاركا من أهان كرامته يستمتع بانتصاره الزائف تجنبا للمشاكل التي ربما ستودي بحياته إن لم يحسب الأمور جيدا مع من هم أشد بطشا منه فهنا لا يوجد مصطلحا للتفاهم أو العفو فقط الٹأر ورد الاعتبار ...................... !!!
...........................................................
ده الفوتوجرافر يا حبيبتي
عقدت ما بين حاجبيها باستغراب وهي تسأله بتلعثم بائن
فو.. فوتو إيه ده
تحرجت تقى من عدم قدرتها على تلفظ الكلمة بنطقها الصحيح فأخفضت رأسها خجلا منه ابتسم لتورد وجهها ثم شدد من ضم ذراعه لكتفيها ليميل أكثر نحو أذنها مفسرا لها بخفوت
أقصد المصور
امتدت أصابعه نحو طرف ذقنها ليرفع وجهها إليه حملق في وهج حدقتيها اللامعتين متابعا همسه الهادئ
إنتي مقولتيش حاجة تتكسفي منها كلمة جديدة أول مرة تسمعيها طبيعي تتلخبطي
عضت عفويا على شفتها السفلى بحرج احتفظ أوس بنظراته المشټعلة بحبها وهو يقول لها
قولي ورايا فوتوجرافر
تعلقت عيناها به تتأمله بإعجاب أخذ يكرر الكلمة لعدة مرات حتى تتمكن من نطقها بشكل صحيح وما إن فعلت ذلك حتى باغتها لثوان كمكافأة تشجيعية لها ازداد وجهها احمرارا من فعلته الجريئة أمام الغريب عاتبته بنظراتها فابتسم بغرور مؤكدا لها عن ثقة كاملة
هنا محدش يقدر يتحرك من مكانه بدون إشارة مني!
أيقنت حرفيا أن المصور لم يكن ليفعل شيئا أو حتى يتحرك قيد أنملة دون أمر مباشر من زوجها شعرت بالارتياح ومع ذلك طلبت منه برقة
ممكن متعملش كده تاني قصاد حد
رفت على شفتيه ابتسامة بسيطة لم يرغب في منحها وعدا لن يستطيع الإيفاء به أرخت تقى عينيها والتفتت نحو المصور حينما ناداه بلهجته الصارمة
ريمون احنا جاهزين!
استدار الأخير بجسده ليواجه رب عمله راسما على وجهه ابتسامة هادئة قائلا لهما
تمام معاليك وأنا كمان مستعد للفوتوسيشن!
تطلعت تقى بحيرة إلى زوجها فبدت المصطلحات الدائرة بينهما إلى حد ما غريبة على مسامعها تساءلت بحرج وهي تشب بقدميها للأعلى قليلا لتصل إلى أذن أوس فلا يسمعها المصور ويسخر من جهلها حتى لو في نفسه
ده عبارة عن إيه
أوضح لها ببساطة ووجهه محتفظ بإشراقته
دي جلسة تصوير لينا يا حبيبتي يعني أنا وإنتي هنتصور مع بعض بس صور مش تقليدية حاجة مختلفة ومميزة
ردت متسائلة باستغراب
ولازمتها إيه الحكاية دي ما كنا نتصور في أي استديو
حاول جاهدا أن يخفي ضحكاته المستمتعة بعفويتها التلقائية ورد عليها مؤكدا
مش هاينفع لازم نظهر بشكل معين
قطبت جبينها وضاقت نظراتها نحوه فهي تحاول أن تفهم ما الذي يدور في رأسه لم يتركها أوس لحيرتها وبادر مفسرا بكلمات متأنية لتستوعب جدية ما يفعله حتى وإن كان مغلفا بالطابع الرومانسي
احنا في حرب إعلامية يا تقى والناس محتاجة نشوف إننا ثنائي بيعشقوا بعض
علقت دون تفكير
طب ما ده حقيقي
بس الناس متعرفش كده الصور والشو الإعلامي هيفرقوا معانا هيخلكوا الكل يحس وېلمس ده ويتمنوا يكونوا مكانا أو حتى يعملوا زينا
ثم التقط كف يدها وقربه من فمه بعد أن انحنى عليه ليقبله هامسا لها
زي كده يا حبيبتي
خجلت من تودده الرقيق لها في حضور المصور وسحبت يدها على عجالة من بين أصابعه التي اشتدت على أناملها لتمنعها من الإفلات تركها مضطرا حينما أصرت على إبعاد يدها ونظرت له قائلة بارتباك ووجهها يلمع بدمويته الخجلة
أوس أنا اتكسف أعمل ده قصاد حد
شعر بربكتها وترددها فطمأنها قائلا بثقة
أنا عارف إنك مش متعودة على النوعية دي من جلسات التصوير وأنا زيك مكونتش عاوز كده لكن احنا مضطرين عشان نقدر نكون جبهة تكون معانا ده غير إنه هايكون أكبر رد على أكاذيب رغد وكلامها اللي بتقوله على الميديا
هزت كتفيها في عدم فهم وعادت لتنظر إلى المصور بحيرة أكبر أحست باللمسة الحنون على جانب ذراعها وأوس يميل عليها ليهمس لها مغازلا
خليكي واثقة فيا هتتبسطي يا حب عمري!
أسبلت عينيها نحوه فنظر لها ملء عينيه وهو يقول لها بتنهيدة أشواق
بأحبك
خفق قلبها بقوة مع تلك الكلمة التي عنت الكثير لها أخرجها من عالمها الوردي صوت ريمون القائل
ها يا فندم نبدأ
هز أوس رأسه بالإيجاب وهو
يرد
أوكي!
استعان المصور بخبراته الاحترافية في ذلك المجال ليحرص على إظهار مشاعر الحب المتأججة بين الزوجين من خلال ضبط وضعيات رومانسية مميزة تعكس شغفهما الحقيقي والتقاط ذلك بعدسة كاميرته وليظهر التناسق بينهما طلب منهما ريمون ارتداء الثياب التي تتقارب في ألوانها مع بعضهما البعض فارتدت تقى كنزة بيضاء دستها في بنطالها ذي اللون الرملي الداكن المحدد من الخصر لينسدل بضيق طفيف عند القدمين حيث ارتدت حذائا ذو كعب عال لتبدو أنيقة وناعمة في هيئتها التي اكتملت بحجابها الرقيق نظرت بهيام ووله إلى أوس الذي تخلى عن ألوانه الداكنة لأول مرة ليرتدي سروالا يصل لركبتيه من نفس لون بنطالها مع قميصا أبيض اللون في البداية كانت مرتبكة ومتوترة مما انعكس عليها وجعل تعبيراتها تشتد وأطرافها في حالة عدم استرخاء رفع أوس يديه أعلى كتفيها ليضغط عليهما برفق أردف قائلا بهدوء
استرخي يا حبيبتي متركزيش غير معايا وبس
ردت بارتباك
مش عارفة حاسة إن شكلي مش حلو و....
قاطعها بعتاب
مش حلو إزاي كده إنتي بتقلي من نفسك وأنا ماقبلش بده أبدا
عبست قائلة
إنت بتهزر يا أوس دي أول مرة أعمل كده في حياتي
ابتسم معلقا
ومش هاتكون الأخيرة
ثم رمقها بنظرة مطولة ناعمة للغاية
أنا بأعشقك
التهبت بشرتها من غزله الصريح وقبل أن تحرك شفتيها لترد وضع إصبعه عليهما يتلمسهما برقة همس لها قائلا
غمضي عينكي
لم تجادله وامتثلت لطلبه الآمر فأطبقت على جفنيها لتستمتع بتلك اللمسات الهادئة المغرية التي خففت قليلا من حدة توترها لحظة وشعرت بيديه تحاوط خاصرتها وتشدها إليه برقة أكثر حتى التصق صدرها بصدره فتحت عينيها لتحدق في وجهه الذي بات قريبا للغاية نظرت في عينيه الناطقة بحبه وغاصت فيهما حاصرتها نظراته الحالمة وأسرتها همساته المغازلة فتناست تدريجيا وجود المصور لتنخرط في تلك الأجواء الرومانسية برع ريمون في تسجيل لحظاتهما دون أن يقاطعهما تركهما يظهران مشاعرهما بأريحية تامة وجسد ذلك بالتقاط عشرات الصور من زوايا مختلفة لينتقي منها في النهاية الأفضل والمميز وما إن انتهى حتى قال له أوس بصرامته المعتادة
تقدر تتفضل دورك انتهى
حرك رأسه بإيماءة خانعة قبل أن يرد بأدب
تمام يا فندم ووقت ما حضرتك تحب هننشر الصور
اكتفى بالإشارة له بيده لينصرف الأخير بعدها تاركا الثنائي بمفردهما على متن اليخت أخرجت تقى زفيرا مطولا من صدرها لتستدير في اتجاه أوس متسائلة باهتمام وقد كټفت ساعديها أمام صدرها
احنا هنعمل إيه دلوقت هنرجع الفيلا
رمقها بنظرة ذات معنى وهو يجيبها بعبثية
لأ طبعا
فهمت ببديهية ما يرمي إليه فخجلت وأرخت ذراعيها تراجعت ببطء للخلف مشيرة له بسبابتها
أوس احنا في عرض البحر وده عيب و...
قاطعها متسائلا بابتسامة مغرية
إيه اللي عيب
ردت بتلعثم وقد اشټعل وجهها على أخره
إنت فاهمني كويس
ابتسم ممازحا
ده إنتي حامل مني يا حبيبتي يعني مافيش حاجة تتكسفي منها
أولته ظهرها آملة أن تركض هاربة منه قائلة باعتراض صريح
لا مش هاينفع أنا هانزل و...
توقفت عن إتمام جملتها لتشهق عاليا حينما انقض عليها أوس ليمسكها من خصرها أطبق جيدا بكفيه عليها فلم تستطع الهروب منه وهو يقول لها
مش بالساهل تبعدي عني!
نادته بهمس مقاومة سيل المشاعر الجارف الذي اجتاحها
أوس
كانت فاقدة للإحساس بالأمان في حضرة والدتها فجل ما يهم الأخيرة هو الحصول على النقود والتخلص من عبء المسئولية الملقاة على عاتقها حتى وإن كلفها ذلك الټضحية ببناتها لمن لا يؤتمن عليهن وإن عقدت مقارنة بسيطة بينها وبين فردوس فلن يختلف الحال كثيرا كلتاهما تبحثان عمن ينتشلهما من الفقر دون الاكتراث بنتائج ذلك وتأثيره على فلذات أكبادهما تحركت هالة وهي مسلوبة الإرادة تنفيذا لأوامر أمها ولا أهمية لما تعانيه في صمت من